قدَرُنا أن تكون النساء كذلك
*أيمن المصري قدر النساء كقدر الزهور...
هو كان يتابع الأخبار أمام التلفاز، وهي تجلس معه من باب المشاركة وليس رغبة بسماع الأخبار التي لا تستهويها، كانت تتحين الفرصة لتذكّره بمناسبة قد نسيَها – كعادته -.
لا شكّ أن هذه الذكرى مناسبة دافئة بين الزوجين، حيث يسترجعان معًا شريط أحداث حياتهما، بحلوها ومرّها، بدءًا من اللقاء الأول بينهما، فالخطبة والزواج، وصولا إلى أربعة من الأولاد يملئون حياتهما بهجة وسعادة.
اغتنمت فرصة الإعلانات لتفتح الحديث:- هل تعرف ما يصادف اليوم؟- التفت إليها لبرهة على عجل وعاد إلى الشاشة، سائلا: خيرا؟- هل تصدّق؟ في مثل هذا اليوم تزوّجنا.. دخلنا معا هذا المنزل، وعشنا تحت سقف واحد.- فالتفت بكلّيته إليها مبتسما..وهنا انفرجت أساريرها وفاضت مشاعرها استعدادا لتعيش معه هذا الموقف الشاعري الذي تنتظره.- صحيح؟ هذا يعني أنني صابر عليك لأكثر من ثلاثة عشر عاما! فعلا زمن!ثم عاد إلى متابعة الأخبار.بقدر ما كانت مستعدّة نفسيا لأن تعيش معه رومانسيّة هذه المناسبة، فقد شكّلت إجابة زوجها صدمة لها وخيبة أمل..رمقته معاتبة، وهي تندب حظها بسبب حرمانها الدائم من سماع كلمة حلوة من زوجها، الشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي يُسمح لها بأن تسمع منه الغزل والكلام المعسول.وسائل التعبير
إنها إشكالية قديمة مستمرّة، لا تنتهي إلى يوم القيامة، حيث يعتبر الرجل أن تقدّم العمر وطول عمر الزواج يبدّل وسائل التعبير ويجعل هذه "الحركات" في غير محلها ومجرد "سلوكيّات مراهقين"، لاسيما إذا بدأ الشيب يقتحم شعر رأسه.وأستأذن القارئ في استحضار أحد المشاهد من مسلسل اجتماعي، حيث دافع "جميل" (أيمن زيدان) عن نفسه بعد أن عاتبته زوجته "هناء" لأنه لم يعد يعبّر لها عن مشاعره كالسابق.. لقد قال لها: "نحن الرجال حين نكبر تختلف لدينا وسائل التعبير، وإذا لم أعبّر عن مشاعري صراحة فليس معناه أنني فقدتها تجاهك، بالعكس، لقد تطور الحب ونضج أكثر وتعمّق، لكن شكل التعبير عنه قد اختلف.. فحين أشتري لك ما تحبّين، فأنا بشكل غير مباشر أقول لك أحبك، وحين آخذك إلى المكان الذي تحبينه أيضا أقول لك ضمنيا "أحبك"، وحين لا أرتاح إلا في بيتي وأتوجه فور انتهائي من عملي إلى البيت، أعبّر ضمنا عن حبّي لك".مفاهيم خاطئة
للحق أقول، إن المشكلة ليست في اختلاف وسيلة التعبير، بل في نمط سلوكيّ يتبنّاه البعض –أو الكثير– من الأزواج، حيث يرى في التصريح بالمشاعر للزوجة، أو في تكرار بعض مواقف أيام الخطوبة أو سنيّ الزواج الأولى، ضعفا أو انتقاصا من الرجولة.وأسأل –مقتبسا-: كم مرة قرأنا مقالا لرجل يتحدث فيه عن سعادته مع زوجته؟ بينما في المقابل نجد مئات بل آلاف المقالات والخواطر والرسائل كتبها عاشقون في الشوق والمدح والغزل.يقول الأديب الشيخ علي الطنطاوي: "لماذا يكتب المحبّ عن الحبيبة وهي زوج بالحرام، ولا يكتب الزوج عن المرأة والمفروض أنها حبيبته بالحلال؟ ولماذا لا أذكر الحق من مزاياها لأرغّب الناس في الزواج، والعاشق يصف الباطل من محاسن العشيقة فيحبّب المعصية إلى الناس؟" انتهى.لعلّها ثقافة ورثناها من أيام الجاهلية العربية، حيث كان الرجل منهم يتحاشى ذكر زوجته أمام الناس، ويكنّي عنها بالشاة استحياء، حتى لقد منع "الحياء" الشاعر العربي جرير من رثاء زوجته صراحة وزيارة قبرها علنا، كما تتحدّث كتب التراث.وللأسف، لقد ابتليت بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهذه العادات، حيث يتجنّب الزوج الملتزم قول كلمة "زوجتي"، فضلا عن ذكر اسمها، بل يستخدم عبارات "الأهل، جماعتي، العيلة، أمّ الأولاد".هل يمكن لك أن تسأل شابا في مجتمعاتنا عن اسم والدته؟ الأغلب أنه سيرفض الإجابة، معتبرا ذكره كشفا لعورة.وأذكر أن زوج إحدى الشخصيات النسائية الإسلامية عاتبني على ذكر اسم زوجته في إعلان لبرنامج حواريّ في إذاعة إسلامية كنت أعمل فيها، علما بأنها متقدّمة في السنّ ولديها قبيلة من الأولاد، حفظهم الله جميعا.أمام هذا الواقع، ألا تستحقّ القيادات الرسمية التركية منّا التحية؟ حيث لم يمنعها التزامها الشرعي من التكيّف مع ظروف المسئولية الجديدة، فشاهدنا رئيس الجمهورية عبد الله غول وزوجته "خير النساء" يستقبلان معا الوفود الرسمية أمام كاميرات وسائل الإعلام، كما تابعنا مشاركة "أمينة" زوجة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حملاته الانتخابية.شريكة في المسئولية
إن المرأة الملتزمة في معظم مجتمعاتنا الشرقية تتحمّل جزءا من المسئولية لمساهتمها في هذه "الثقافة الخاطئة"، فإذا تصفّحت مجلة نسائية إسلامية تجد تواقيع "أم مجاهد، أم عبد الله، أم أحمد..."، وكأن اسم المرأة عورة يجب ستره.مع أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلّم كنّ معروفات بأسمائهنّ الصريحة، وكان يناديهنّ بها، فكيف إذا ذكرنا قصة تسابق النبي مع زوجته السيدة عائشة مرتين، بالتأكيد هما لم يتسابقا –رضي الله عنهما– في قاعة مغلقة أو في الدار.قدَرنا..
إن قدَرنا -نحن الرجال- في هذه الحياة الدنيا أن الله قد جبل المرأة على هذا التكوين النفسي والاحتياج العاطفي، حتى لو كبرت سنّها.. ويبدو أنه لا مناص من أن نتعامل مع هذا الواقع ونعترف به، إذا أردنا أن نكمل مشوار حياتنا في بيوتنا بهناء وسعادة.وإذا لم تسمع الزوجة الكلام الجميل من زوجها، فممّن تسمع؟ الزوج هو الرجل الوحيد –كما سبق وأسلفت– الذي سمح له الشرع بأن يقوم بهذا الدور، وإن عدم مراعاة الزوج لهذه الحاجة عند زوجته –ولو تصنّعا– سيؤثر سلبا على مسيرة حياتهما الزوجية، وقد يلجئها –لا قدّر الله إذا كانت ضعيفة أو غير صاحبة التزام- لأن يكون لديها الاستعداد لسدّ هذا الاحتياج النفسي خارج المنزل.وأخيرا أقول: إن الحرص على عدم التشدّد في غير محلّه، يقابله –حكما- حرص أكبر على عدم التنازل عن قيَمنا المجتمعيّة وضوابطنا الشرعية.أختم كلامي، وكلّي أمل بأن لا تقع هذه السطور بين يدي زوجتي، لاسيما فقرة "إن قدَرنا نحن الرجال"، فتقيم عليّ الحجّة. شجع برووووح شجع بحماس
عاوزين نرجع الدوري والكاس